قال الحسين (عليه السلام): «أيها الناس إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغيّر ما عليه بفعل ولا قول كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله) ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله، وأنا أحَقّ من غيّر، وقد أتتني كتبكم ورسلكم ببيعتكم، وأنّكم لا تسلموني ولا تخذلوني، فإن أقمتم على بيعتكم تصيبوا رشدكم، وأنا الحسين بن علي بن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسي مع أنفسكم، وأهلي مع أهلكم، فلكم فيّ أسوة، وإن لم تفعلوا ونقضتم عهدي وخلعتم بيعتي فلعمري ماهي لكم بنكير، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمّي مسلم بن عقيل، والمغرور من اغترّ بكم، فحظَّكم أخطأتم، ونصيبكم ضيّعتم: (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ) (الفتح/ 10). وقال (عليه السلام): «أثني على الله أحسن الثناء وأحمده على السراء والضراء، اللّهمّ إنّي أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوة وجعلت لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدة وعلمتنا القرآن وفقّهتنا في الدين فاجعلنا لك من الشاكرين، أمّا بعد فإني لا أعلم أصحاباً أوفى ولا وخيراً من أصحابي، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله جميعاً عني خيراً، ألا وإنّي لأظنّ يومناً من هؤلاء الأعداء غداً، وإني قد أذنتُ لكم جميعاً فانطلقوا في حلّ ليس عليكم مني ذمام، هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً وليأخذ كلّ رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي فجزاكم الله جميعاً، ثمّ تفرّقوا في البلاد في سوادكم ومدائنكم حتى يفرّج الله، فإنّ القوم يطلبونني ولو أصابوني لهوا عن طلب غيري». فقال له إخوته وأبناؤه وأبناء إخوته وأبناء عبدالله بن جعفر: لِمَ نفعل هذا؟ لنبقى بعدك! لا أرانا الله ذلك أبدا! فقال الحسين: يا بني عَقيل حسبكم من القتل بمسلم، اذهبوا فقد أذنت لكم. قالوا: وما نقول للناس؟ نقول: تركنا شيخنا وسيّدنا وبني عمومتنا خير الأعمال ولم نرمِ معهم بسهم ولم نطعن معهم برمح ولم نضرب بسيف ولا ندري ما صنعوا؟ لا والله لا نفعل ولكنّا نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا ونقاتل معك حتى نرد موردك، فقبّح الله العيش بعدك! وقام إليه مسلم بن عوسجة الأسدي فقال: أنحن نتخلّى عنك ولم نُعذر إلى الله في أداء حقّك؟ أما والله لا أفارقك حتى أكسر في صدورهم رمحي وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه بيدي، والله لو لم يكن معي سلاحي لقذبتهم بالحجارة دونك حتى أموت معك. وتكلّم أصحابه بنحو هذا، فجزاهم الله خيراً. وقال (عليه السلام): «اللّهمّ أنت ثقتي في كلّ كرب ورجائي في كلّ شدّة، وأنت لي في كلّ أمر نزل بي ثقة وعدَّة، كم من همٍّ يضعف فيه الفؤاد وتقلّ فيه الحيلة ويخذل فيه الصديق ويشمت به العدوّ أنزلته بك وشكوته إليك رغبةً إليك عمّن سواك ففرّجته وكشفته وكفيتنيه، فأنتَ وليّ كل نعمة، وصاحب كل حسنة، ومنتهى كلّ رغبة». وقال (عليه السلام): «يا أيها الناس اسمعوا قولي ولا تعجلوني حتى أعظكم بما يجب لكم عليّ وحتى أعتذر إليكم من مقدمي عليكم، فإن قبلتم عذري وصدّقتم قولي وأنصفتموني كنتم بذلك أسعد ولم يكن لكم عليّ سبيل، وإن لم تقبلوا مني العذر (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ) (يونس/ 71)، (إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) (الأعراف/ 196)».
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق